فقه الخلاف بين المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله r أما بعد
.......
- تواجه الصحوة الإسلامية عوائق عديدة علي طريق الوصول إلي هدفها المنشود
بإعلاء كلمة الله في الأرض ، وتعبيد الناس لربهم ، والتمكين للإسلام ، منها ما يكون
من فعل أعداء الله الكفار والمنافقين ، لكن الله تكفل بهم بشرط تقوى المسلمين
وصبرهم فقال تعالي: [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ] (آل عمران : 120) ومنها ما يكون من
أبناء الصحوة أنفسهم ، كمشكلة الاختلاف الكبير بين الاتجاهات الإسلامية ، مما أدي
إلي انصراف كثير من العوام عن فصائل الصحوة كلها ، وأتاح الفرصة لأعداء الإسلام
لاستغلال هذا التطاحن لإضعاف الجميع ، مما دفع البعض إلي نبذ العمل الجماعي متأولا
حديث حذيفة مع أن تأويله الذي لا إشكال فيه علي الدعاة علي أبواب جهنم كالعلمانيين
والقوميين والحزبيين ، وأهل البدع كالروافض والصوفية والخوارج ونحوهم ، فتوقف
العمل الإسلامي في كثير من المواطن وتعطلت الكثير من الطاعات التي لا يطيق الأفراد
القيام بها ، واندفع البعض الآخر إلي التهوين من شأن الخلاف أيا ما كان نوعه ،
ودعا إلي التقريب بين أهل السنة والروافض والصوفية بل والعلمانيين والحزبيين ، وإن
لم يحظ رفاقه في الصحوة بنصيبهم من هذا التقارب. وعلي الطرف الآخر لم يستوعب البعض
أي خلاف بينه وبين غيره ولو كان علي مسائل وسعت السلف ، وفي الحين الذي رأي فيه البعض
أن تعدد الجماعات شر كله رأي البعض أنه ليس بمذموم ، ولا يلزمنا السعي لتحقيق
الوحدة.
وقبل أن نتعرف علي الصراط المستقيم في هذه القضية ، والتعريف بأنواع الخلاف
، وأسباب كل نوع ، وكيفية التعامل معه ، نقرر أن الاختلاف أمر قدري كوني لقوله
تعالي: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ] (هود : 118 ، 119) أمرنا الله شرعا أن
نفر منه إلي قدر الله بالائتلاف والاجتماع ، فندفع القدر بالقدر.
أنواع الاختلاف
الواقع بين المسلمين
النوع الأول: اختلاف التنوع:-
وهو ما لا يكون فيه أحد الأقوال مناقضا للأقوال الأخرى ، بل كل الأقوال
صحيحة ، وهذا مثل وجوه القراءات ، وأنواع التشهدات ، والأذكار ، وصور الحج ،
والواجب المخير ككفارة اليمين ، وما وقع من الصحابة في غزوة بني قريظة ، والجماعات
الإسلامية المعاصرة فيها شيء من هذا النوع ، فالبعض اهتمامه الأكبر طلب العلم
الشرعي بأنواعه ، والبعض اهتمامه بالدعوة والتبليغ ، والبعض بالجهاد في سبيل الله
كما في أفغانستان وكشمير وغيرها ، والبعض بالتواجد في مراكز التأثير ، ولاشك أن
التكامل في هذا النوع بين الاتجاهات الإسلامية هو ما يحقق للصحوة كل خير ، لكن
لابد من ذكر بعض التنبيهات:-
1- لا يجوز أن يكون انشغال الأفراد والجماعات بما يرونه أفضل الأعمال سببا
لتركهم الواجبات الأخرى التي تمثل الحد الأدنى من الالتزام بالإسلام ، وهو فروض
الأعيان وفروض الكفاية التي قد تعينت ، فلا يسع أحد تركها طالما قدر عليها.
2- لابد من تجنب تربية الأفراد داخل هذه الجماعات علي تحقير الأعمال
والعلوم الأخرى التي ليس لجماعته اهتمام كبير بها فقد قال r:
"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
3- لابد من تجنب عقد الولاء والبراء علي هذه الأعمال المتنوعة ، والأولويات
المختلفة ، وتقديمه علي أصل الولاء لدين الله ، ومنهج أهل السنة والجماعة بشموله
وتوازنه.
النوع الثاني: اختلاف التضاد السائغ ، غير المذموم:-
وهو ما لا يخالف نصا من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا قديما ، أو قياسا جليا
، وهذا سواء كان في الأمور العلمية الاعتقادية –وهذا نادر– أو في الأحكام بين
الفقهاء:
أسبابه:-
1- أن الشرع لم ينصب دليلا قاطعا علي كل المسائل ، بل جعل دليلا ظنيا يحتاج
لبحث واجتهاد ونظر.
2- تفاوت أفهام العباد.
3- اختلاف قدرة العباد علي البحث والاجتهاد.
4- اختلاف طريقة التعلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة.
أمثلة له:-
1- في الأمور العلمية الاعتقادية: كالخلاف علي رؤية النبي r ربه ، وتفضيل عثمان علي علي ،
وعصمة الرسل من الصغائر غير المزرية ، ونبوة الخضر و مريم ، وتكفير تارك الصلاة ،
والمباني الأربعة عدا الشهادتين تكاسلا أو بخلاً ، وتحقيق المناط في قضايا تكفير
الأعيان بناء علي استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه.
2- في الأمور العملية والفقهية: كوجوب المضمضة والاستنشاق والترتيب أم استحبابهم ، ووضع اليمني علي اليسري
علي الصدر بعد الركوع أم إرسالهما ، والنزول علي الركبتين أم علي اليدين في السجود
، وقراءة الفاتحة خلف الإمام خاصة في الجهرية ، والاعتداد بالركوع أم اشتراط قراءة
الفاتحة في صلاة المسبوق ، وبطلان الصلاة في المساجد التي بنيت علي قبور أم
كراهتها تحريما مع الإجزاء ، واختلاف المطالع في رؤية الهلال ، ووقوع الطلاق
المعلق أم لا ، وطلاق الثلاث بلفظ واحد هل تقع ثلاثا أم واحدا ، ووجوب النقاب أم
استحبابه ، أما القول ببدعته فهو بدعة بلا شك ، والتصوير الفوتوغرافي هل هو داخل
في النهي أم لا ؟ وأكل اللحوم المستوردة من أوربا وأمريكا هل يجوز أكلها أم يحرم؟
تنبيه هام جداً:-
ليس معني أن الخلاف في المسألة سائغ أنه يجوز لكل واحد أن ينتقي بالتشهي
أيا من الأقوال دون اجتهاد ، فهذا سبيل إلي الزندقة والانحلال ، فلا يجوز تتبع رخص
العلماء فضلا عن الزلات والسقطات ، فالواجب علي الإنسان على حسب مرتبته في العلم:-
1- العالم المجتهد يلزمه البحث والاجتهاد وجمع الأدلة والنظر في الراجح
منها ، فما ترجح عنده قال به وعمل به وأفتي.
2- طالب العلم القادر علي الترجيح عليه أن يعمل بما ظهر له دليله من أقوال
العلماء.
3- العامي المقلد عليه أن يستفتي الأوثق الأعلم من أهل العلم.
* مصادمة السنة بآراء الرجال ليس من الاختلاف السائغ قال الشافعي:
"أجمع العلماء علي أن من استبانت له سنة النبي r لم يكن له أن يدعها لقول أحد من
الناس" فقد تكون المسألة اجتهادية في حق عالم لعدم علمه بالسنة فيها فيجتهد ،
ويكون من تبعه علي اجتهاده غير معذور إذا علم السنة واستبانت له.
* إدراك وجود هذا النوع من الاختلاف ، وعدم إمكانية إزالته يوسع صدور
المسلمين لاحتماله ، وليكن شعارنا في ذلك (يسعنا ما وسع السلف الصالح ولا يسعنا ما
لم يسعهم)
النوع الثالث: اختلاف التضاد غير السائغ ، المذموم:-
وهو ما خالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماعا ، أو قياسا جليا.
أسبابه:-
1- البغي والتنافس علي الدنيا ورئاستها.
2- الجهل ونقص العلم وظهور البدع واختلاف المناهج.
3- ظهور رؤوس الضلال ، الدعاة علي أبواب جهنم.
4- التعصب المذموم للأسماء والأشخاص ، وضعف الولاء علي الكتاب والسنة.
أمثلة له:-
أ- في الأمور الاعتقادية
والعلمية:-
أولا: ما يكفر فيه
المخالف:-
1- غلاة النفي والتعطيل في
أسماء الله وصفاته كالباطنية ، والنصيرية ، والإسماعيلية وهم نفاة النقيضين ،
والفلاسفة المنكرين لذات الرب سبحانه ولخلق العالم وحقيقة البعث للأجساد.
2- الحلولية والاتحادية. 3-
من يعتقدون بآلهة مدبرة للعالم مع الله.
4- غلاة القدرية نفاة
العلم الإلهي. 5- غلاة الجبرية الذين
ينسبون الظلم إلي الله ويقولون بالإباحية.
6- العلويون الذين يعتقدون
إلهية علي ، والدروز الذين يعتقدون إلهية الحاكم بأمر الله ، والقاديانية
والبهائية الذين يعتقدون بنبي بعد محمد r.
7- من يعتقدون أن الشريعة
الإسلامية غير صالحة ، إما مطلقا ، أو لهذا الزمان ، ويفضل عليها شرائع البشر
الوضعية أو يساويها بها أو يجوزها ، أو يلزم الكافة بها ، ويحرم عليهم شرع الله ،
أو يجحد حكم الله وينكره من أصله.
8- من يعتقد بمساواة الملل
، وعدم كفر اليهود والنصارى وغيرهم.
ثانيا: ما يبدع فيه
المخالف ويختلف علي تكفيره بالعين:-
1- كالمعتزلة الذين يثبتون
الأسماء وينفون الصفات.
2- الخوارج الذين يكفرون
مرتكب الكبيرة كالإباضية وغيرها من فرق التكفير.
3- الرافضة الذين يسبون
الصحابة ، وربما كفروا بعضهم.
4- القدرية الذين يثبتون
علم الله وكتابة المقادير ، وينفون مشيئته وخلقه لأفعال العباد.
5- الصوفية الذين يطوفون
بقبور الأولياء ، ويطلبون منهم المدد ، ويذبحون وينذرون لهم.
ثالثا: ما يبدع فيه
المخالف مع الاتفاق علي عدم تكفيره:-
كالزيدية والأشاعرة ، ومنه
التوسل بطلب الدعاء من الأموات والغائبين كقولهم: "يا سيدي فلان ادع الله
لي".
ب- في المسائل العملية:-
1- كالقول بجواز ربا
الفضل. 2- القول بجواز شرب النبيذ
المسكر كثيرة من غير عصير العنب.
3- القول بجواز نكاح
المتعة. 4- القول بصحة النكاح دون
ولي.
5- القول بجواز المعازف
وسماعها.
6- القول بجواز تصوير ذوات
الأرواح ، إذا لم يكن للصورة ظل (غير مجسمة) (الرسم باليد).
7- القول بتحريم الذهب
المحلق علي النساء. 8- القول بعدم وجوب
الطمأنينة في الصلاة.
9- القول بأن تحديد قدر
ثابت من المال في المضاربة لا يفسدها.
10- القول بجواز حلق اللحي
علي سبيل الفتوى لعموم الملتزمين.
11- تهنئة الكفار بأعيادهم
الكفرية. 12- الاحتفال بالموالد
والأعياد البدعية.
* ضابط الحكم علي تجمع
معين انه من الفرق الضالة: أن يخالف الفرقة الناجية في معنى كلي في الدين ، وقاعدة
من قواعد الشريعة ، ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات.
كيفية التعامل مع واقع
المسلمين اليوم:-
هي استثمار اختلاف التنوع
والتعاون عليه ، واحتمال اختلاف التضاد السائغ ، وأن يسعنا كما وسع السلف الصالح ،
وأن لا يفسد الود والمحبة بيننا ، وعلاج اختلاف التضاد غير السائغ ، بمحاربة البدع
والضلالات والأقوال الباطلة ، والاجتماع علي منهج أهل السنة والجماعة ، والعمل علي
نشره بتفاصيله ، وهذا يقتضي تحقيق هذا المنهج وتحديده تحديدا مفصلا في قضايا
العقيدة والدعوة ومناهج التغيير وغير ذلك ، ولا شك أن أفضل المؤهلين لتحقيق هذه
المعالجات المطلوبة هم الجماعات الملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة علي طريق السلف
، وهي تحتاج لتحقيق هذه المعالجات المطلوبة هم الجماعات الملتزمة بمنهج أهل السنة
والجماعة علي طريق السلف ، وهي تحتاج إلي توحيد جهودها وتقارب صفوفها ، وبذل الوسع
في نشر منهجها ، وإذهاب الدخن من الاتجاهات الأخرى ، مع التجرد والإخلاص والعمل
المستمر.
0 التعليقات
إرسال تعليق