السبت، 6 ديسمبر 2014

فقه الخلاف بين المسلمين


فقه الخلاف بين المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله r                         أما بعد .......
- تواجه الصحوة الإسلامية عوائق عديدة علي طريق الوصول إلي هدفها المنشود بإعلاء كلمة الله في الأرض ، وتعبيد الناس لربهم ، والتمكين للإسلام ، منها ما يكون من فعل أعداء الله الكفار والمنافقين ، لكن الله تكفل بهم بشرط تقوى المسلمين وصبرهم فقال تعالي: [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ] (آل عمران : 120) ومنها ما يكون من أبناء الصحوة أنفسهم ، كمشكلة الاختلاف الكبير بين الاتجاهات الإسلامية ، مما أدي إلي انصراف كثير من العوام عن فصائل الصحوة كلها ، وأتاح الفرصة لأعداء الإسلام لاستغلال هذا التطاحن لإضعاف الجميع ، مما دفع البعض إلي نبذ العمل الجماعي متأولا حديث حذيفة مع أن تأويله الذي لا إشكال فيه علي الدعاة علي أبواب جهنم كالعلمانيين والقوميين والحزبيين ، وأهل البدع كالروافض والصوفية والخوارج ونحوهم ، فتوقف العمل الإسلامي في كثير من المواطن وتعطلت الكثير من الطاعات التي لا يطيق الأفراد القيام بها ، واندفع البعض الآخر إلي التهوين من شأن الخلاف أيا ما كان نوعه ، ودعا إلي التقريب بين أهل السنة والروافض والصوفية بل والعلمانيين والحزبيين ، وإن لم يحظ رفاقه في الصحوة بنصيبهم من هذا التقارب. وعلي الطرف الآخر لم يستوعب البعض أي خلاف بينه وبين غيره ولو كان علي مسائل وسعت السلف ، وفي الحين الذي رأي فيه البعض أن تعدد الجماعات شر كله رأي البعض أنه ليس بمذموم ، ولا يلزمنا السعي لتحقيق الوحدة.
وقبل أن نتعرف علي الصراط المستقيم في هذه القضية ، والتعريف بأنواع الخلاف ، وأسباب كل نوع ، وكيفية التعامل معه ، نقرر أن الاختلاف أمر قدري كوني لقوله تعالي: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ] (هود : 118 ، 119) أمرنا الله شرعا أن نفر منه إلي قدر الله بالائتلاف والاجتماع ، فندفع القدر بالقدر.
أنواع الاختلاف الواقع بين المسلمين
النوع الأول: اختلاف التنوع:-
وهو ما لا يكون فيه أحد الأقوال مناقضا للأقوال الأخرى ، بل كل الأقوال صحيحة ، وهذا مثل وجوه القراءات ، وأنواع التشهدات ، والأذكار ، وصور الحج ، والواجب المخير ككفارة اليمين ، وما وقع من الصحابة في غزوة بني قريظة ، والجماعات الإسلامية المعاصرة فيها شيء من هذا النوع ، فالبعض اهتمامه الأكبر طلب العلم الشرعي بأنواعه ، والبعض اهتمامه بالدعوة والتبليغ ، والبعض بالجهاد في سبيل الله كما في أفغانستان وكشمير وغيرها ، والبعض بالتواجد في مراكز التأثير ، ولاشك أن التكامل في هذا النوع بين الاتجاهات الإسلامية هو ما يحقق للصحوة كل خير ، لكن لابد من ذكر بعض التنبيهات:-
1- لا يجوز أن يكون انشغال الأفراد والجماعات بما يرونه أفضل الأعمال سببا لتركهم الواجبات الأخرى التي تمثل الحد الأدنى من الالتزام بالإسلام ، وهو فروض الأعيان وفروض الكفاية التي قد تعينت ، فلا يسع أحد تركها طالما قدر عليها.
2- لابد من تجنب تربية الأفراد داخل هذه الجماعات علي تحقير الأعمال والعلوم الأخرى التي ليس لجماعته اهتمام كبير بها فقد قال r: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
3- لابد من تجنب عقد الولاء والبراء علي هذه الأعمال المتنوعة ، والأولويات المختلفة ، وتقديمه علي أصل الولاء لدين الله ، ومنهج أهل السنة والجماعة بشموله وتوازنه.
النوع الثاني: اختلاف التضاد السائغ ، غير المذموم:-
وهو ما لا يخالف نصا من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا قديما ، أو قياسا جليا ، وهذا سواء كان في الأمور العلمية الاعتقادية –وهذا نادر– أو في الأحكام بين الفقهاء:
أسبابه:-
1- أن الشرع لم ينصب دليلا قاطعا علي كل المسائل ، بل جعل دليلا ظنيا يحتاج لبحث واجتهاد ونظر.
2- تفاوت أفهام العباد.
3- اختلاف قدرة العباد علي البحث والاجتهاد.
4- اختلاف طريقة التعلم والتعليم بين علماء المسلمين في بلادهم المختلفة.
أمثلة له:-
1- في الأمور العلمية الاعتقادية: كالخلاف علي رؤية النبي r ربه ، وتفضيل عثمان علي علي ، وعصمة الرسل من الصغائر غير المزرية ، ونبوة الخضر و مريم ، وتكفير تارك الصلاة ، والمباني الأربعة عدا الشهادتين تكاسلا أو بخلاً ، وتحقيق المناط في قضايا تكفير الأعيان بناء علي استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه.
2- في الأمور العملية والفقهية: كوجوب المضمضة والاستنشاق والترتيب أم استحبابهم ، ووضع اليمني علي اليسري علي الصدر بعد الركوع أم إرسالهما ، والنزول علي الركبتين أم علي اليدين في السجود ، وقراءة الفاتحة خلف الإمام خاصة في الجهرية ، والاعتداد بالركوع أم اشتراط قراءة الفاتحة في صلاة المسبوق ، وبطلان الصلاة في المساجد التي بنيت علي قبور أم كراهتها تحريما مع الإجزاء ، واختلاف المطالع في رؤية الهلال ، ووقوع الطلاق المعلق أم لا ، وطلاق الثلاث بلفظ واحد هل تقع ثلاثا أم واحدا ، ووجوب النقاب أم استحبابه ، أما القول ببدعته فهو بدعة بلا شك ، والتصوير الفوتوغرافي هل هو داخل في النهي أم لا ؟ وأكل اللحوم المستوردة من أوربا وأمريكا هل يجوز أكلها أم يحرم؟
تنبيه هام جداً:-
ليس معني أن الخلاف في المسألة سائغ أنه يجوز لكل واحد أن ينتقي بالتشهي أيا من الأقوال دون اجتهاد ، فهذا سبيل إلي الزندقة والانحلال ، فلا يجوز تتبع رخص العلماء فضلا عن الزلات والسقطات ، فالواجب علي الإنسان على حسب مرتبته في العلم:-
1- العالم المجتهد يلزمه البحث والاجتهاد وجمع الأدلة والنظر في الراجح منها ، فما ترجح عنده قال به وعمل به وأفتي.
2- طالب العلم القادر علي الترجيح عليه أن يعمل بما ظهر له دليله من أقوال العلماء.
3- العامي المقلد عليه أن يستفتي الأوثق الأعلم من أهل العلم.
* مصادمة السنة بآراء الرجال ليس من الاختلاف السائغ قال الشافعي: "أجمع العلماء علي أن من استبانت له سنة النبي r لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس" فقد تكون المسألة اجتهادية في حق عالم لعدم علمه بالسنة فيها فيجتهد ، ويكون من تبعه علي اجتهاده غير معذور إذا علم السنة واستبانت له.
* إدراك وجود هذا النوع من الاختلاف ، وعدم إمكانية إزالته يوسع صدور المسلمين لاحتماله ، وليكن شعارنا في ذلك (يسعنا ما وسع السلف الصالح ولا يسعنا ما لم يسعهم)
النوع الثالث: اختلاف التضاد غير السائغ ، المذموم:-
وهو ما خالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماعا ، أو قياسا جليا.
أسبابه:-
1- البغي والتنافس علي الدنيا ورئاستها.
2- الجهل ونقص العلم وظهور البدع واختلاف المناهج.
3- ظهور رؤوس الضلال ، الدعاة علي أبواب جهنم.
4- التعصب المذموم للأسماء والأشخاص ، وضعف الولاء علي الكتاب والسنة.
أمثلة له:-
أ- في الأمور الاعتقادية والعلمية:-
أولا: ما يكفر فيه المخالف:-
1- غلاة النفي والتعطيل في أسماء الله وصفاته كالباطنية ، والنصيرية ، والإسماعيلية وهم نفاة النقيضين ، والفلاسفة المنكرين لذات الرب سبحانه ولخلق العالم وحقيقة البعث للأجساد.
2- الحلولية والاتحادية.               3- من يعتقدون بآلهة مدبرة للعالم مع الله.
4- غلاة القدرية نفاة العلم الإلهي.     5- غلاة الجبرية الذين ينسبون الظلم إلي الله ويقولون بالإباحية.
6- العلويون الذين يعتقدون إلهية علي ، والدروز الذين يعتقدون إلهية الحاكم بأمر الله ، والقاديانية والبهائية الذين يعتقدون بنبي بعد محمد r.
7- من يعتقدون أن الشريعة الإسلامية غير صالحة ، إما مطلقا ، أو لهذا الزمان ، ويفضل عليها شرائع البشر الوضعية أو يساويها بها أو يجوزها ، أو يلزم الكافة بها ، ويحرم عليهم شرع الله ، أو يجحد حكم الله وينكره من أصله.
8- من يعتقد بمساواة الملل ، وعدم كفر اليهود والنصارى وغيرهم.
ثانيا: ما يبدع فيه المخالف ويختلف علي تكفيره بالعين:-
1- كالمعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات.
2- الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة كالإباضية وغيرها من فرق التكفير.
3- الرافضة الذين يسبون الصحابة ، وربما كفروا بعضهم.
4- القدرية الذين يثبتون علم الله وكتابة المقادير ، وينفون مشيئته وخلقه لأفعال العباد.
5- الصوفية الذين يطوفون بقبور الأولياء ، ويطلبون منهم المدد ، ويذبحون وينذرون لهم.
ثالثا: ما يبدع فيه المخالف مع الاتفاق علي عدم تكفيره:-
كالزيدية والأشاعرة ، ومنه التوسل بطلب الدعاء من الأموات والغائبين كقولهم: "يا سيدي فلان ادع الله لي".
ب- في المسائل العملية:-
1- كالقول بجواز ربا الفضل.          2- القول بجواز شرب النبيذ المسكر كثيرة من غير عصير العنب.
3- القول بجواز نكاح المتعة.          4- القول بصحة النكاح دون ولي.
5- القول بجواز المعازف وسماعها.  
6- القول بجواز تصوير ذوات الأرواح ، إذا لم يكن للصورة ظل (غير مجسمة) (الرسم باليد).
7- القول بتحريم الذهب المحلق علي النساء.  8- القول بعدم وجوب الطمأنينة في الصلاة.
9- القول بأن تحديد قدر ثابت من المال في المضاربة لا يفسدها.
10- القول بجواز حلق اللحي علي سبيل الفتوى لعموم الملتزمين.
11- تهنئة الكفار بأعيادهم الكفرية.           12- الاحتفال بالموالد والأعياد البدعية.
* ضابط الحكم علي تجمع معين انه من الفرق الضالة: أن يخالف الفرقة الناجية في معنى كلي في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة ، ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات.
كيفية التعامل مع واقع المسلمين اليوم:-
هي استثمار اختلاف التنوع والتعاون عليه ، واحتمال اختلاف التضاد السائغ ، وأن يسعنا كما وسع السلف الصالح ، وأن لا يفسد الود والمحبة بيننا ، وعلاج اختلاف التضاد غير السائغ ، بمحاربة البدع والضلالات والأقوال الباطلة ، والاجتماع علي منهج أهل السنة والجماعة ، والعمل علي نشره بتفاصيله ، وهذا يقتضي تحقيق هذا المنهج وتحديده تحديدا مفصلا في قضايا العقيدة والدعوة ومناهج التغيير وغير ذلك ، ولا شك أن أفضل المؤهلين لتحقيق هذه المعالجات المطلوبة هم الجماعات الملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة علي طريق السلف ، وهي تحتاج لتحقيق هذه المعالجات المطلوبة هم الجماعات الملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة علي طريق السلف ، وهي تحتاج إلي توحيد جهودها وتقارب صفوفها ، وبذل الوسع في نشر منهجها ، وإذهاب الدخن من الاتجاهات الأخرى ، مع التجرد والإخلاص والعمل المستمر.

siege auto

0 التعليقات

إرسال تعليق