فأما محبة الزوجة وما ملكت
يمين الرجل فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف
الرجل نفسه وأهله فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام ويعفها فلا تطمح نفسها إلى
غيره وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل قال
تعالى : (هُوَ الذى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف : 189) ، وقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( الروم : 21) وفى الصحيح عنه r :
"أنه سئل من أحب الناس إليك فقال : عائشة" (1)
، ولهذا كان مسروق ـ رحمه الله ـ يقول : إذا حدث عنها : حدثتنى الصديقة بنت الصديق
حبيبة رسول الله r المبرأة
من فوق سبع سموات .
وصح عنه r أنه
قال : "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" (2)
.
فلا عيب على الرجل فى
محبته لأهله وعشقه لها ، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله
ورسوله ، وزاحم حبه وحب رسوله فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها
وتنقصها فهى مذمومة ، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهى
محمودة ، ولذلك كان رسول اللهr يحب
الشراب البارد الحلو ويحب الحلواء والعسل ويحب الخيل ، وكان أحب الثياب إليه
القميص ، وكان يحب الدباء فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله بل قد تجمع الهم والقلب
على التفرغ لمحبة الله ، فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها وقصده بفعل ما يحبه
.
فإن نوى به القوة على أمر
الله تعالى وطاعته كانت قربة ، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد لم يثب ولم
يعاقب ، وإن فاته درجة من فعله متقرباً به إلى الله (3)
.
ـ ويجدر بنا هنا ذكر أزواج النبىr :
ـ أولاهن : خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية
تزوجها قبل النبوة ولها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وأولاده كلهم منها
إلا إبراهيم ، وهى التى آزرته على النبوة وجاهدت معه وواسته بنفسها ومالها وأرسل
الله إليها السلام مع جبريل وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها وماتت قبل الهجرة
بثلاث سنين .
ـ ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة
القرشية وهى التى وهبت يومها لعائشة .
ـ ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة الصديقة بنت
الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات حبيبة رسول الله r عائشة بنت أبى بكر الصديق وعرضها عليه الملك قبل نكاحها فى سرقة
من حرير وقال : "هذه زوجتك" (1)
تزوج بها فى شوال وعمرها ست سنين وبنى بها فى شوال فى السنة الأولى من الهجرة
وعمرها تسع سنين (2) ولم يتزوج بكراً غيرها
وما نزل عليه الوحى فى لحاف امرأةٍ غيرها ، وكانت أحب الخلق إليه ، ونزل عذرها من
السماء ، واتفقت الأمة على كفر قاذفها ، وهى أفقه نسائه وأعلمهن بل أفقه نساء
الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبىr يرجعون
إلى قولها ويستفتونها وقيل إنها أسقطت من النبى r سقطاً ولم يثبت .
ـ ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطابt وذكر أبو داود أنه طلقها
ثم راجعها .
ـ ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية
من بنى هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .
ـ ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبى أمية القرشية
المخزومية واسم أبى أمية حذيفة بن المغيرة وهى آخر نسائه موتاً وقيل آخرهن موتاً
صفية .
ـ ثم تزوج زينب بنت جحش من بنى أسد بن خزيمة
وهى ابنة عمته أميمة وفيها نزل قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب : 37) .
ومن خواصها أن الله سبحانه
وتعالى كان هو وليها الذى زوجها لرسوله من فوق سماواته وتوفيت فى أول خلافة عمر بن
الخطاب وكانت أولاً عند زيد بن حارثة وكان رسول الله r تبناه فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته فى
نكاح أزواج من تبنوه .
ـ وتزوج r جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بنى
المصطلق فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .
ـ ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبى سفيان
صخر بن حرب القرشية الأموية وقيل اسمها هند تزوجها وهى ببلاد الحبشة مهاجرة
وأصدقها عنه النجاشى أربعمائة دينار وسيقت إليه من هناك وماتت فى أيام أخيها
معاوية هذا هو المعروف المتواتر عند أهل السير والتواريخ وهو عندهم بمنزلة نكاحه
لخديجة بمكة ولحفصة بالمدينة ولصفية بعد خيبر .
ـ وتزوج r صفية بنت حيى بن أخطب سيد بنى النضير من ولد هارون ابن عمران أخى
موسى فهى ابنة نبى وزوجة نبى وكانت من أجمل نساء العالمين وكانت قد صارت له من
الصفى أمة فأعتقها وجعل عتقها صداقها فصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق
الرجل أمته ويجعل عتقها صداقها فتصير زوجته بذلك فإذا قال أعتقت أمتى وجعلت عتقها
صداقها أو قال جعلت عتق أمتى صداقها صح العتق والنكاح وصارت زوجته من غير احتياج
إلى تحديد عقد ولا ولى وهو ظاهر مذهب أحمد وكثير من أهل الحديث .
وقالت طائفة هذا خاص
بالنبى r وهو
مما خصه الله به فى النكاح دون الأمة وهذا قول الأئمة الثلاثة ومن وافقهم والصحيح
القول الأول لأن الأصل عدم الإختصاص حتى يقوم عليه دليل والله سبحانه لما خصه
بنكاح الموهوبة له قال فيها : (خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب : 50) ، ولم يقل هذا
فى المعتقة ولا قاله رسول الله r ليقطع
تأسى الأمة به فى ذلك فالله سبحانه أباح له نكاح امرأة من تبناه لئلا يكون على
الأمة حرج فى نكاح أزواج من تبنوه فدل على أنه إذا نكح نكاحاً فلأمته التأسى به
فيه ما لم يأت عن الله ورسوله نص بالاختصاص وقطع لتأسى وهذا ظاهر .
ـ ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهى آخر
من تزوج بها تزوجها بمكة فى عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح وقيل قبل
إحلاله هذا قول ابن عباس ووهمt فإن السفير بينهما
بالنكاح أعلم الخلق بالقصة وهو أبو رافع وقد أخبر أنه تزوجها حلالاً وقال كنت أنا
السفير بينهما وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها وكان غائباً عن القصة
لم يحضرها وأبو رافع رجل بالغ وعلى يده دارت القصة وهو أعلم بها ولا يخفى أن مثل
هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت فى أيام معاوية وقبرها بـ "سرف" .
ـ قيل ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل
القرظية سبيت يوم بنى قريظة فكانت صفى رسول الله r فأعتقها
وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها .
وقالت طائفة بل كانت أمته
وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفى عنها فهى معدودة فى السرارى لا فى الزوجات والقول
الأول اختيار الواقدى ووافقه عليه شرف الدين الدمياطى ، وقال : هو الأثبت عند أهل
العلم وفيما قاله نظر فإن المعروف أنها من سراريه وإمائه ، والله أعلم .
فهؤلاء نساؤه المعروفات
اللاتى دخل بهن وأما من خطبها ولم يتزوجها ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها فنحو
أربع أو خمس ، وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة وأهل العلم بسيرته وأحواله r لا
يعرفون هذا بل ينكرونه ، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها
ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها وكذلك الكلبية وكذلك التى رأى بكشحها
بياضاً فلم يدخل بها والتى وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن هذا هو
المحفوظ ، والله أعلم .
ولا خلاف أنه r توفى
عن تسع وكان يقسم منهن لثمان عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم
سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة
وسودة وجويرية .
وأول نسائه لحوقاً به بعد
وفاته r زينب
بنت جحش سنة عشرين وآخرهن موتاً أم سلمة سنة
اثنتين وستين فى خلافة يزيد ، والله
أعلم .
ـ أما سراريه r :
فقال أبو عبيدة : كان له
أربع : مارية وهى أم ولده إبراهيم وريحانة وجارية أخرى جميلة أصابها فى بعض السبى
وجارية وهبتها له زينب بنت جحش (1) .
(1) أخرجه البخارى (4\1584) ومسلم
(4\1856) .
(2) تقدم .
(3) انظر : إغاثة اللهفان (2\240) .
(1) أخرجه البخارى (5\1969) ومسلم
(4\1889) .
(2) وفد أثيرت الكثير والكثير
من الطعون من المستشرقين وأذيالهم فى زواج النبى r وعمرها تسع سنوات ، وقد
رد أهل العلم مطاعن الطاعنين وسهامهم فى نحورهم ، ومن المقرر أن زواجه r بأم المؤمنين عائشة ـ
رضى الله عنها ـ كان من الله تعالى كما تقدم الحديث ، وما كان من الله تعالى فله
حكم كثيرة وعظيمة ، منها : أنه كان على النبى r أن يتزوج بالصغيرة لتحمل
عبء الدعوة والتبليغ عنه بعده r ، وقد شارف الموت r ، وهذا ما كان منها ـ
رضى الله عنها ـ إذ تُعد أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ من أكثر الصحابة رواية
لأقوال وأفعال النبى r ، وهى التى بلغت الأمة
بحياة النبى r الخاصة من قيام ونوم
وصلاة وعمل فى بيته ، وحياة زوجية وغير هذا الكثير ، وما كان هذا لأحد غيرها من
أزواجه r ، ولو كانت كبيرة السن لماتت بعد النبى r بفترة وجيزة وأمتت معها
أكثر السنن والأخبار بحياة النبى r .
ـ أما كيف بنى ولم يتعد عمرها التسع سنوات ،
وهل كانت اهلاً للزواج فى هذا السن الصغير ؟ .
ـ فمن المعروف أن الذين يعيشون فى المناطق
القريبة من خط الإستواء تصل الفتاة عندهم إلى سن الحيض أسرع من الفتاة التى تعيش
فى المناطق الباردة أو البعيدة عن خط الاستواء
، فإن الأولى تحيض فى سن الثمانى
أو تسع سنوات ، بينما الثانية يتأخر عندها الحيض إلى سن الرابعة عشر أو الخامسة
عشر أو أكثر من ذلك .
فائدة :
نشرت جريدة الجمهورية المصرية ( 1\10\1997) الصفحة الثانية منها هذا الخبر تحت
عنوان "طفلة باكستانية 8 سنوات حامل فى شهرها الخامس تقول : اكتشف الأطباء
الباكستانيون وجود طفلة عمرها 8 سنوات حاملاً فى شهرها الخامس …… .
(1) زاد المعاد (1\105) بتصرف .
0 التعليقات
إرسال تعليق