الأحد، 7 ديسمبر 2014

أحكام الشريعة: أقسام الحكم ومتعلقاته "ثالثاً: الحسن والقبح" ج4

أحكام الشريعة "الأحكام ومتعلقاتها وأحكامها" ج1

أحكام الشريعة: أقسام الحكم ومتعلقاته "أولاً: الحكم التكليفى ومتعلقاته" ج2

أحكام الشريعة: أقسام الحكم ومتعلقاته "ثالثاً: الحكم الوضعى ومتعلقاته" ج3


ثالثاً: الحسن والقبح
الحسن فى اللغة ضد القبح ويطلق الحسن والقبح على ثلاثة أمور إضافية لا ذاتية.
1- أولهما: يطلق الحسن على ملائمة الشئ للطابع بأن يكون موافقاً لغرض فاعله بإعتباره أنه جالب له لذة.
ويطلق القبح على منافرته له بإعتبار أنه دافع له ألماً.
2- وثانيهما: يطلق الحسن على ما أمر الشارع بالثناء على فاعله كما يطلق القبح على ما أمر الشارع بالذم لفاعله.
3- وثالثها: يطلق الحسن على ما لا حرج فى فعله ويطلق القبح على ما فيه حرج.
وعلى ذلك فإن الحسن والقبح بالمعنى الأول: لا خلاف بين العلماء فى كونه عقلياً يدرك بالعقل من غير موقف على ورود المشرع.
وبالمعنى الثانى والثالث: شرعيان لا يحكم بهما إلا الشرع.
وقد وقع الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية فى المعنيين الأخريين.
أ- فالأشاعرة: وكثير من المتكلمين وجماعة من الجنفية: ذهبوا إلى أن الحسن والقبح فى الأفعال لا يدركان بالعقل بل إدراكهما يكون من جهة الشرع فالفعل الذى أمر الله تعالى به حسن لان الشارع هو الذى جعله مناطا للمدح والثواب ولا يستقل العقل بإدراكه وكذا ما نهى عنه الله تعالى فهو قبيح لأن الشارع نهى عنه وجعله مناط للذم والعقاب ولا يدرك ذلك العقل.
فالحاكم بالحسن والقبح هو الشارع ولا دخل للعقل فيه.
ب- وأما المعتزلة:
فقد ذهبوا إلى أن الحسن والقبح عقليان فلا يتوقف معرفة حسن الفعل على أوامر الشرع ونواهيه بل يمكن إدراكهما بطريق العقل.
وقد قسموا الحسن والقبح ثلاثة اقسام:
1- قسم يدركه العقل بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار.
2- وقسم يدركه العقل بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار.
3- وقسم خفى على العقل فلا يدركه لا بالضرورة ولا بالنظر بل يدرك بالشرع كمقادير العبادات وغيرها.
ومقتضى هذا المذهب أن يكون الناس مثابين ومعاقبين بناء على ما أدركته عقولهم قبل نزول الشرائع وإرسال الرسل فمن بلغتهم شرائع الله مكلفون من الله بما تقضى به هذه الشرائع ومن لم تبلغهم شرائع الله مكلفون من الله بما تهديهم إليه عقولهم فعليهم أن يفعلوا ما تستحسنه عقولهم وان يتركوا ما تستبيحه عقولهم.
ج- وأما الماتريدية وجمهور الحنفية: فقد جاء مذهبهم وسطاً بين مذهب الأشاعرة الذين ضيقوا نطاق حكم العقل - وبين مذهب المعتزلة الذي جعلوا العقل حاكماً.
فوفقاً لهذا المذهب فإن أفعال المكلفين فيها خواص ولها أثار تقتضى حسنها أو قبحها وأن العقل بناء على هذه الخواص والآثار يستطيع الحكم بأن هذا العقل حسن وهذا الفعل قبيح.
ولكن لا يلزم أن يكون أحكام الله فى أفعال المكلفين على وفق ما تدركه عقولهم فيها من حسن أو قبح لأن العقول مهما نضجت قد تخطئ ولأن بعض الأفعال منها ما تشبه فيه العقول فلا تلازم بين أحكام الله وما تدركه العقول.
وعلى هذا لا سبيل إلى معرفة حكم الله إلا بواسطة رسله.
متعلق الحسن والقبح
إذا نظرنا إلى الحسن والقبيح بإعتبارهما حكما فإن متعلقيهما من الأفعال يسمى حسناً وقبيحاً.
وقد وقع خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة فى تعريف كل من الحسن والقبيح وكذا خالف الشيعة فى تقسيمهما.
أ- فالأشاعرة: يرون أن فعل المكلف الذى لم ينه عنه شرعاً حسن فتعريفهم هذا شمل: "الواجب والمندوب والمباح والأفعال قبل ورود الشرع".
ويرون أن ما نهى عنه شرعاً قبيح ولا اعتبار فى قبح الفعل بأكثر من نهى الشرع وهو يشمل الحرام والمكروه.
ب- والمعتزلة: خالفوا هذا – بناء على تحكيمهم العقل فعرفوا الحسن والقبيح بتعارف كثير.
من ذلك تعريفهم للحسن: بأنه الفعل الواقع على صفة لها تأثير فى استحقاق المدح.
والقبيح: بأنه الفعل الواقع على صفة لها تأثير فى استحقاق الذم وعلى ذلك فإن تعريف الحسن لا يصدق إلا على الواجب والمندوب دون المكروه والمباح إذ لا مدح ولا ذم فى فعلهما كما أن تعريف القبيح لا يصدق إلا على الحرام فقط.
وهذا يقتضى أن يكون المكروه والمباح واسطة بين الحسن والقبيح.
ج- وأما الشيعة: فإن لهم فى الحسن والقبيح تقسيماً آخر.
فهم يرون أن الحسن قسمان:
1- القسم الأول: ما ليس له صفة زائدة على حسنه وذلك يوصف بأنه مباح.
2- القسم الثانى: ماله صفة زائدة على حسنه.
وهو نوعان:
النوع الأول: ما يستحق المدح بفعله ولا يستحق الذم بتركه فيوصف بأنه مرغوب فيه ومندوب إليه.
النوع الثاني: ما يستحق الذم بتركه:
وهذا النوع فرعان:
الفرع الأول:
ما إذا لم يفعله استحق الذم مثل رد الوديعة والصلوات المعينة المفروضة ويوصف بأنه واجب مضيق.
والفرع الثانى:
إذا لم يفعله ولا ما يقوم مقامه استحق الذم فيوصف بأنه واجب مخير كأداء الصلوات فى الأوقات المخير فيها.
وقد أشتمل هذا التقسيم على: المباح والمندوب والواجب.
أما القبيح: فلا ينقسم – عندهم – انقسام الحسن بل هو قسم واحد وهو كل فعل يستحق فاعله الذم على بعض الوجوه ويوصف فى الشرع بأنه محظور ومحرم إذا دل فاعله عليه أو علمه.
فشمل القبيح: الحرام فقط والمكروه واسطة بين الحسن والقبيح.
 وأما الحنفية فإنهم يرون أن الفعل إنما يحسن ويقبح إما لعينه أو لشئ آخر فهو عندهم قسمان:
1- القسم الأول: حسن لمعنى فى نفسه.
وهو نوعان:
اولهما: حسن لا يقبل سقوط التكليف به بعد وجوبه بحال من الأحوال كالإيمان بالله وصفاته.
وثانيهما: حسن يقبل سقوط التكليف به كالصلاة.
وحكم هذا القسم عدم سقوطه إلا بالأداء أو بسبب عروض ما يسقطه كالحيض وكما أن الحسن يكون لمعنى فى نفسه فكذلك القبيح يكون قبيحاً لعينه لا يحتمل السقوط كقبح الشرك والزنا.
وغيرهما: أنه غير مشروع أصلاً.
وقبيحاً لعينه: يحتمل السقوط كأكل الميتة.
2- القسم الثانى: حسن لمعنى فى غيره – أى أن إتصافه بالحسن وهو نوعان أيضاً:
أولهما: حسن لمعنى فى غيره كالسعى إلى الجمعة ، وكذا الوضوء.
وثانيهما: حسن لغيره كالجهاد فإنه ليس بحسن لذاته لأنه تعذيب عباد الله تعالى وتخريب بلاده وإنما صار حسناً لمعنى فى غيره وهو كفر الكفار ويحسنه حسن تعذيب الكفار بالقتل والنهب وحكم هذا النوع أنه يسقط بعد الوجوب بالأداء.
وكما يكون الحسن حسناً لغيره يكون القبيح قبيحاً لغيره أيضاً.
وهو نوعان: قبيح لغيره يحصل بإرتكاب هذا القبيح كصوم يوم العيد فهو قبيح لأجل كونه إعراضاً عن ضيافة الله تعالى وبإرتكاب الصوم يرتكب الأعراض.
قبيح لغيره: يحصل بإرتكاب هذا القبيح كصوم يوم العيد.

وقبيح لغيره: لا يحصل بإرتكاب هذا القبيح كالبيع وقت النداء.
siege auto

0 التعليقات

إرسال تعليق